الخلق الحسن

الخلق الحسن

وأيوبَ إذْ نادى ربَّهُ أنِّي مَسَّني الضُّرُّ وأنتَ أرحمُ الرَّاحمين

قال الله تعالى في القرءان الكريكَثُرَتْ البلايا والأمراضُ على نبيِّ اللهِ أيوبَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ طيلةَ ثماني عشرةَ سنةً، وهو صابرٌ محتسبٌ يرجُو الثوابَ مِنَ اللهِ تعالى، قال اللهُ تعالى:"وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ٤١" "سورة ص".
هذا ليسَ معناهُ مَسَّ جسمَهُ، الشيطانُ هَدَمَ دارَهُ وقَتَلَ أطفالَهُ وأتلفَ مالَهُ. لَم يَتَسَخَّطْ على اللهِ ولا عصى اللهَ تعالى ما تَرَكَ فرضًا فَرَضَ اللهُ عليهِ من أجلِ هذه الآلامِ والمصائبِ ولا تَسَخَّطَ على قضاءِ اللهِ. بل ظلَّ حامدًا للهِ وشاكرًا لهُ. وقد قالَ العلماءُ:"الصبرُ على البلاءِ بانتظارِ الفرجِ مِنَ اللهِ عبادةٌ، هو صَبَرَ صبرًا جَـميلا، لَـم يبقَ من جسدِهِ سليمًا إلا قلبُهُ ولسانُهُ يذكرُ اللهَ في كلِّ أحوالِهِ ليلا ونـهارًا صباحًا ومساءً. ثم ذاتَ يومٍ اثنان مرَّا بـجانبِه فقالَ أحدُهُـما للآخرِ: أنا أظنُّ أيوبَ أذنبَ ذنبًا ما أذنبَه أحدٌ، فسَمِعَ أيوبُ. فلما سَمِعَ دعا فاستُجِيبَ دعاؤُهُ وأعطاهُ أولادًا بدلَ الذينَ فقدَهُم وعَوَّضَ عليهِ. أعطاهُ اللهُ ضعفًا من الأولادِ أربعةَ عشرَ وأربعةَ عشرَ، وأمطرَ لَهُ جرادًا من ذهبٍ وجرادًا من فضةٍ، كَوْمَةً مِنْ ذهبٍ وكَوْمَةً من فضةٍ. وَرَدَّ اللهُ زوجتَهُ رحـمةَ إلى شَبِيبَتِهَا.
ما كانَ يدعُو بالشفاءِ لنفسِهِ ولا بالمالِ، لكن لَما هذانِ الرجلانِ كَسَرَا قلبَهُ دعا اللهَ وابتَهَلَ إليهِ بـخشوعٍ وتضرعٍ قائلا: " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ٨٣ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ٨٤" "سورة الأنبياء" ثم خَرَجَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لقضاءِ حاجتِهِ وأمسكَتْ زوجتُهُ بيدِهِ إلى مكانٍ بعيدٍ عن أعينِ الناسِ لقضاءِ حاجتِهِ فلما فَرَغَ عليه الصلاةُ والسلامُ أوحى اللهُ تبارك وتعالى إليه في مكانِهِ: "ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ٤٢" "سورة ص"، فأمرَهُ تعالى أنْ يضربَ برِجلِهِ الأرضَ، فامتثلَ عليه الصلاةُ والسلامُ ما أمرَهُ اللهُ بهِ وأنبعَ اللهُ تبارك وتعالى لَهُ بـمشيئتِهِ وقدرتِهِ عَينينِ فشَرِبَ من إحداهُمَا واغتسلَ من العينِ الأخرَى فأذهَبَ اللهُ عنهُ ما كان يَـجِدُهُ من المرضِ وتكامَلَتْ العافيةُ وأبدلَهُ بعد ذلك كلّـِهِ صحةً ظاهرةً وباطنةً. وهذا إكرامٌ من اللهِ تعالى لنبيهِ أيوبَ عليهِ السلامُ ومعجزةٌ لهُ، فَشَرَعَ عليهِ السلامُ يـَحثِي ويجمعُ في الثوبِ الذي كانَ معهُ استكثارًا من البركةِ والخيرِ الذي رَزَقَهُ اللهُ إياهُ.
ولَما استبطأتْهُ زوجتُهُ وطالَ انتظارُهَا، أَقبَلَ نبيُّ اللهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إليها سليمًا صحيحًا على أحسن ما كانَ فلما رأتْهُ لم تعرفْهُ فقالَتْ لهُ: باركَ اللهُ فيكَ هل رأيتَ نبيَّ اللهِ أيوبَ هذا المبتلَى؟ فواللهِ ما رأيتُ رجلا أشبهَ بهِ منكَ إذْ كانَ صحيحًا، فقالَ لَـها عليهِ الصلاةُ والسلامُ: فإنّـِي أنا هو.
اللهمَّ لا تَجْعَلْ مُصيبَتَنا في دينِنَا ولا تَجْعَلِ الدُّنْيا أَكْبَرَ هَمّنا ولا مَبلَغ علمنا ونجنا في الآخِرَةِ بفضلك يا ربَّ العالمينَ.